الكتاب: الليبرالية في القرن العشرين (أحمد أمين وحسين أمين)
المؤلف: ماكوتو ميزوتاني
المترجم: علا محمد إصلاح
الناشر: مجموعة النيل العربية، 2016.
يحتوي هذا الكتاب على ثمانية فصول ثمة خلل في ترتيبها فقد توالى منذ بداية الكتاب فهرس الرسوم التوضيحية فتصدير فتمهيد على أن الاثنين متساويان ثم وضع في الفصل الأول مقدمة يفترض أن تكون سابقة للتمهيد والتصدير! على أي حال، ثم تتوالى الفصول: أحمد أمين وعصره، وحسين أمين وعصره، والملامح الرئيسية لفكر أحمد وحسين أمين، ومناقشات في الإسلام، ومناقشات في الحضارة، ومناقشات في السياسة، ووضعت الخاتمة فصلاً ثامناً !
لعل هذا الأمر بحاجة إلى إعادة نظر في أصول التأليف وترتيب الأبواب والفصول. يعد المؤلف الياباني ماكوتو ميزوتاني خبيراً بالشؤون الأسلامية والشرق الأوسطية، فهو يعمل مستشاراً أكاديمياً بالمعهد الإسلامي العربي في طوكيو، ومدير مركز الدراسات الإسلامية المعاصرة في اليابان، وحاصل على درجة الدكتوراه في تاريخ الشرق الأسوط من جامعة يوتاه بالولايات المتحدة الأمريكية.
إذا كان النصف الأول من القرن العشرين هيمنت عليه أسماء مثقفين مصريين فاعلين في المشهد الثقافي العربي مثل طه حسين وعباس محمود العقاد وأحمد أمين، فإن المنتصف الثاني من القرن نفسه هيمنت أفكار مثقفين مصريين آخرين مثل فرج فودة ومحمد سعيد العشماوي ومعهم حسين أمين.
على أن ذلك لا يلغي أسماء مثقفين عرب في أقطار أخرى عرفوا على مراحل سابقة أو مجايلة أو لاحقة، فقد تكسرت اللعبة المركزية في تكريس عاصمة عربية عما سواها فلا يمكن أن تكون منصة تجمع وانطلاق مستبدة إذ لكل العواصم العربية مع احتساب المتغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية الفاعلة في الأثر والنتيجة.
على أن ليست كل العواصم العربية مهيأة لأن تكون منصة تجمع وانطلاق، فيمكن التمعن لاكتشاف أن تلك العواصم قليلة حيث تتساوى القاهرة وبغداد في المنتصف الأول من القرن العشرين ثم الكويت وبيروت في المنتصف الثاني غير أن التاريخ سيقول كلمة مختلفة تماماً.
إذا كانت أسماء مثقفين ومثقفات عرفت في مصر من غير أهلها، في النصف الأول من القرن العشرين، مثل جرجي زيدان وفاطمة اليوسف ومي زيادة وفرح أنطون وعلي أحمد باكثير وعبد الله القصيمي وأبكار السقاف ومالك بن نبي من لبنان واليمن والسعودية والجزائر، ولا نتجاهل أسماء أخرى في حقل الغناء والتمثيل والإخراج مثل الأخوين لاما ونجيب الريحاني وبديعة مصابني وماري جبران ونادرة أمين وفريد الأطرش وأسمهان من سوريا ولبنان وفلسطين.
فإنه كذلك في المنتصف الثاني من القرن نفسه، على قلة الأسماء ستعرف أسماء أخرى، من خارجها، مثل حمزة شحاته وعبد الله عبد الجبار ومحمود درويش وغالب هلسا وسيف الرحبي كذلك في حقل الغناء والتمثيل والرقص، مثل السيدة وردة وفايزة أحمد وسليم سحاب ووليد عوني وأركان فؤاد وسميرة سعيد ورغدة.
وعلى أي حال فإن المؤلف ميزوتاني يجادل مفهوم وإجراء الليبرالية العربية المتنوعة سواء في الموقف السياسي أو الديني بالإضافة إلى الموقف من القضايا ذات الشأن العام على المستوى الحضاري التي لا تقف حيال الشؤون الثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
كما أنه يرتكز على أثر الليبرالية بوصفها منزعاً للنظر والرؤية تمثل في الكتابة والتفاعل عند مثقفين عرب على مستوى التاريخ والسياسة والدين. لم تظهر الليبرالية وحدها في المشهد الثقافي المصري بل أفرزتها ظروف مختلفة، ففي القرن التاسع عشر تمظهرت نزعة مصرية قطرية تمثلت في مناداة رفاعة الطهطاوي بـ "حب مصر" ثم في ثورة أحمد عرابي تحت شعار "مصر للمصريين" ضد الاحتلال الإنجليزي ثم صعود الزعيم مصطفى كامل حادثة دنشواي 1906 التي أبيد فيها 4 آلاف فلاح مصري على يد جيش الاحتلال الانجليزي كذلك عند الثائر سعد زغلول ومن بعده في طروحات طه حسين.
غير أن حادثة احتلال فلسطين بداية بمظاهرات كبرى بين عامي 1936-1939 ثم توالي مؤتمر 1937 حول القضية الفلسطينية ثم تأسيس منظمة الوحدة العربية بالقاهرة عام 1938 وفي نفس العام كون طلبة كلية الحقوق بجامعة القاهرة "اتحاد العروبة" وصولاً إلى تأسيس جامعة الدول العربية 1945.
وخلال هذه الفترة التي صعد فيها حزب الوفد بوصفه يمثل النزعة المصرية أو الفرعونية فإن أعضاء حزب الدستوريين الأحرار واجهوا الوفد بالنزعة العروبية في صيغة قومية إسلامية مثل محمد حسين هيكل ومحمد علي علوبة وإبراهيم المازني ثم تحول أحد الوفديين الأقباط نحو العروبة أي مكرم عبيد.
تعد تمثلات الليبرالية في مصر ظاهرة مدنياً على المستوى السياسي في نشاط حزب الدستوريين الأحرار ثم في نشاط شخصية أحمد لطفي السيد، ذي النزعة المصرية، الذي شارك في صياغة الدستور المصري 1923 ثم في إدارة الجامعة المصرية عام 1925 بالإضافة إلى تقلده مناصب وزارية عدة كالتربية والتعليم ثم الداخلية.
كما لا ينكر النشاط الصحفي الذي كان حاضناً لكثير من الأفكار والمبادئ والقيم حيث فعل فيه مجموعة كبيرة من المثقفين في اتجاهات مختلفة، فجريدة الأهرام المحايدة (أسست 1876) ثم المقطم (1889) تماثلها، وذات الاتجاه الإسلامي مثل جريدة المؤيد (في ذات عام المقطم) وبعدها اللواء (1900)، وبعضها ذات اتجاه علمي مثل المقتطف (1884) ومنها ذو اتجاه قبطي مثل الوطن (1877) ومصر (1895). ومن خلال المجلات تكرست الكثير من القضايا سواء عبر نزاعات متفاوتة أو توافقات متباينة مثل مجلة السياسة الأسبوعية لسان حال حزب الدستوريين الأحرار الصادرة عام 1926 ثم تحولت إلى شهرية، ولحزب الوفد مجلة البلاغ.
وتخصصت مجلات في حقول ثقافية تتخذ من العلم التجريبي أو الإيديولوجيا مسارها، مثل الفجر (1925-1927) رأس تحريراه محمود تيمور، ومجلة العصور ذات النزعة العلمية (1927-1930) التي رأس تحريرها إسماعيل مظهر، والمجلة الجديدة (1929-1931) التي رأسها سلامة موسى، ولجامعة الأزهر مجلة متخصصة سميت نور الإسلام (1931-1933) ثم تحول اسمها مرة إلى مجلة الأزهر ومرة مشيخة الأزهر.
عدا أن هناك مجلات تجاوزت مآزقها نحو تأييد الوحدة العربية وقضاياها مثل الرسالة (أسست 1933) ورأسها أحمد حسن الزيات، والرسالة العربية (1936) ورأسها أمين سعيدي، والثقافة (1953) ورأسها أحمد أمين. لا يمكن تجاوز فهم السياق الزمني والمتطلبات الظرفية بأن بعض الشعارات ظلت بالونات إعلامية للحشد ولفت الأنظار مقابل أن بعض الأفكار والمبادئ والقيم وضعت في مآزق لاختبارات ما بين الإنجاز والإخفاق عند المثقفين.
عدا أن المؤلف يلاحظ بأن تمثل الليبرالية في حالة المدنية ومعالمها، بأن "جميع أدوات المدنية المختلفة للمؤسسات والمنظمات والمجلات والصحف بمثابة حواجز أو مناطق عازلة بين سلطة الدولة والمواطنين قاطبة" فإن عوامل النهضة المصرية تمثلت في أول عامل مرونة هيكل السلطة السياسية وعدم استبداده في هوية منجزة، والثاني نمو المجتمع المدني المطرد، والثالث مساندة البلاط الملكي وكبار المسؤولين الاتجاه العام للنهضة. على أن التجاذبات السياسية مقابل أمواج الإيديولوجيات الناشئة وقتها تجر إلى التورط في المجال السياسي كما حدث عند طه حسين وعباس العقاد وإبراهيم المازني ومحمد مندور، فإن بعض المثقفين نأوا عنها لتحقيق مشاريعهم الخاصة.
إن نموذج أحمد أمين يعد من المثقفين الفاعلين الذي أنجز أكثر من مشروع سواء من بداية عمله في مجال القضاء ثم التدريس ومن بعدهما التفرغ للكتابة والتأليف لرباعية الحضارة الإسلامية وسواها أو لإدارة المشاريع الثقافية كالمجلات أو سلاسل الإصدارات. فقد وضع أول كتبه "الأخلاق" (1920)، ثم الرباعية منجَّمة: فجر الإسلام (1928)، ضحى الإسلام (1933-1936)، ظهر الإسلام (1945-1955)، يوم الإسلام (1952). عدا أنه تخللتها إصدارات أخرى مثل "زعماء الإصلاح في العصر الحديث" (1948)، "المهدي والمهدوية" (1950)، حياتي (1950)، إلى ولدي (1951)، ثم جمع مقالاته المنشورة في مجلة الثقافة في عشر مجلدات بعنوان "فيض الخاطر" (1938-1956). بالإضافة إلى أنه أشرف وحقّق أعمالاً من تراث الحضارة العربية مثل "الإمتاع والمؤانسة" لأبي حيان التوحيدي (1939-1944)، والعقد الفريد لابن عبد ربه (1940-1953)، و"الحماسة" لأبي تمام (1951-1953)، الهوامل والشوامل محاورة أبي حيان التوحيدي ومسكويه (1951).
ويوضح المؤلف بأن معظم المؤلفات التي وضعت عن أمين بدأت بقائمة من كتابات التأبين ثم تحولت إلى مسح بياني لأعماله حتى صدر كتابين خصصا لتحليل نتاجه الثقافي "أحمد أمين وأثره في اللغة والنقد الأدبي" لفهيم الديناصوري، و"أحمد أمين والفكر الإسلامي العربي الحديث في كتابه فيض الخاطر" لعمر الإمام ثم وضع عنه كتابين لم يترجما الأول "أحمد أمين: تقدم الإصلاح الاجتماعي والأدبي في مصر" لـ أ.م.هـ مزيد، و"إيمان مثقف مسلم معاصر: الجوانب الدينية لكتابات أحمد أمين ودلالاتها" لويليام شيبارد، ووضع المؤلف الياباني نفسه كتاب "الصراع الفكري لمسلم عصري: أحمد أمين".
وفي المنتصف الثاني الذي يمثله الابن لأمين حسين، فإن ثمة تحولات من بعد الثورة 1952 إثر الاضطراب السياسي، والضيق الاقتصادي والفوضى الاجتماعية. بالاتجاه نحو العروبة وتواري النزعة المصرية وخفوت النزعة الإسلاموية. فقد تكونت المرحلة الجديدة في ظل مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية والمواقف السياسية تحت مبدأ الاشتراكية العربية بتأميم قناة السويس وبناء السد العالي وإطلاق قانون الإصلاح الزراعي ومشاركة جمال عبد الناصر فاعلاً في مؤتمر باندونغ (1955) لدول عدم الانحياز، والدفع بالوحدة العربية مع سوريا (1958) وحظر جماعة الإخوان المسلمين بعد محاولة اغتياله 1954، وإخضاع الأزهر لرقابة الدولة وتعيين أمينه 1961.
فقد واجه الليبراليون ذلك بالموافقة المضمرة دون إبدائه ولو صمتاً فيرى المؤلف أن أي ليبرالي لم يعارض أيا كان اتجاهه الفكري الديكتاتورية المتنامية خلال الخمسينيات والستينيات يوبدو أن سحر واكريزما عبد الناصر غير اتجاه المد الليبرالي بأسره".
كما أنه تلاحقت مجموعة من الأحداث السياسية كالعدوان الثلاثي 1956 على مصر مقابل مساندتها الكفاح المسلح للثورة الجزائرية ثم هزيمة 1967 مقابل انتصار إسرائيل ثم الرد عليه بتكريس الكفاح الفلسطيني في اتفاقية القاهرة 1969، وانتصار 1973 على إسرائيل الذي بدده أنور السادات بمعاهدة سلام 1979 معها وتصاعد مجموعة من الحركات الإسلاموية مثل "شباب محمد" و"التكفير والهجرة" و"الإنقاذ من جهنم" و"جماعة الجهاد" و"جند الله" مقابل محاولتها التجنيد والاستيعاب بين صفوف الطلاب تحت مسمى "الجماعة الإسلامية" حيث لم تهنأ فقد واجهها عصر السادات باعتقالات 1981.
وأسهمت سياسية الانفتاح الاقتصادي بإيقاظ الليبراليين ونشاطهم مجدداً ويلاحظ أن كثيراً من المثقفين ذهبوا باتجاه الدراسات الإسلامية لسحب التوتر عند الأصوليين والمتطرفين الإسلامويين، مثل حسن حنفي وطارق البشري وخالد محمد خالد وعادل حسين. على أن حسني مبارك اضطر لمواجهة هذا المد الإسلاموي الذي تطرف باغتيال الكاتب فرج فودة عام 1992، بعد المهادنة الطويلة باحثاً عن صور معتدلة متعاملا معها بروح من الذرائعية ما جعله يشجع حزب الوسط 1996 عدا أن المثقفين الليبراليين حاولوا أن يوفقوا بين اقتراح تفسيرات نسبوية للتراث العربي الإسلامي مع الحفاظ على خط اتصال مع الثقافة الغربية التي ينظر إليها بصورة مزدوجة بين نموذج الاستعمار والظلم والتحيز ونموذج الإلهام والمحاكاة!
فقد اتجه الابن حسين في ظل هذه الظروف إلى تبني مقولات الاجتهاد المتعددة في تكييف فهم الشريعة الإسلامية لعصرها وإعادة الاعتبار إلى المتغيرات الاجتماعية والحاجات الاقتصادية. استطاعت الليبرالية المصرية أن تكون ميراثاً في النصف الأول من القرن العشرين من خلال صراعها مع الاستعمار والظلم والتحيز وفي النصف الثاني يواجهون فقد اللغة المشتركة بينهم وبين النخب الحاكمة من جهة ومن جهة أخرى بينهم وبين فئات المجتمع.
يلحظ المؤلف حالة التفاؤل الهش والأسى العميق عند كل من جيل الأب والابن الليبراليين ففي محاولة الأب إرساء مواضيع أساسية مثل جوهر الإيمان الديني وأهمية العقل والدعوة إلى حضارة جديدة والتوعية السياسية وتجديد الأدب العربي اضطرت الظروف الابن إلى تحول في المنهج في طريقة تطبيق الشريعة الإسلامية، ومسؤولية دور المؤرخ، وتجديد الحضارة الإسلامية ومكافحة التطرف الإسلاموي والتفاعل الثقافي.
ويفصل المؤلف ذلك في الفصول الأساسية من كتابه أي الفصل الخامس مناقشات في الإسلام، والفصل السادس مناقشات في الحضارة والفصل السابع مناقشات في السياسة. ينتهي المؤلف إلى تقييم مرحلتين يمثلهما نتاج الأب والابن على المستوى الجزئي حيث يفترقان حول الموقف من القضايا الدينية كالإيمان أو إسلامية في نشأة المذهب الشيعي والصوفي. كذلك الموقف من ثقافة وسياسة الغرب فقد اتخذ الأب موقفا متصلباً ضدها بعد الحرب العالمية الثانية ثم تغير بعد نشر كتابه "الشرق والغرب" (1955) ورأى أن النظام الجمهوري البرلماني فاعل كما كان يأمل في نظام عبد الناصر إلا أن الظروف تغيرت فجعلت الابن ينخرط في مواجهة التطرف الإسلاموي وتفكيك حيازة التراث العربي الإسلامي وكسر لعبة الانتقائية بين عناصره.
وعلى المستوى الكلي تتوضح النزعة العربية الإسلامية عند الأب في دراسة الحضارة العربية الإسلامية مثل رباعيته عنها كذلك أعماله سواء عن قضايا إسلامية أو عربية بينما اتجه الابن نحو النزعة المصرية. وما يتوجب استيعابه فعلاً، كأمر أولي، أن التيار الليبرالي يبقى منشغلاً بقضايا أمته العربية والإسلامية، فهو يندرج شاء أم أبى نفسه أو سواه ضمن تيار الإصلاح الإسلامي في مواجهة المحافظين أولاً وثانيا المتطرفين من حيث تركيزه على جوهر العقيدة الإسلامية وتنقيته من المفاهيم المغلوطة بقياس تاريخ الدين وآثاره الاجتماعية والثقافية بمقياس تاريخي نسبوي لا إلغائي تاريخي.
والأمر الثاني أن الليبرالية العربية أو المصرية تحمل من بين إرثها المحلي والقومي والديني إرثاً إنسانياً يترحل ويقيم عابراً للأزمنة والأمكنة، ففي القرن العشرين كان التراث الأوروبي نتاج عصر النهضة والتنوير مقابل أن من بين التراث الذي استقبلته أوروبا التراث الأندلسي بطابع العربي –اللاتيني الإسلامي – المسيحي.
ويخلص المؤلف إلى أن هناك ثلاثة عوامل تمنع الدول العربية الإسلامية من تبني نظام ليبرالي دون إثارة التطرف، أولاها، الاضطراب السياسي، وعدم وجود نظام سياسي نموذجي، وعدم وجود نظرية سياسية. إذا كان الاضطراب علاجه مرحلي بالاستقرار، فإن مسألة النظام السياسي النموذجي قابلة للجدل العقيم مقابل انعدام مرتكز نظري سياسي لوضع قواعد للانطلاق أو البناء، ويواجه هذا كله العلاقات المعقدة بين سياسات الغرب والتاريخ العربي الإسلامي، والصراع على الموارد الطبيعية والمصالح السياسية بوصفها مكاسب يمكن تمديد مفعولها حسب المستطاع والمنفعة!
عدا أنه في المحصلة لا يمكن من تبديل الأدوار والعصور، فإن ذهنية الأفندي –يمثلها أحمد أمين- في أول القرن العشرين لم ينازعها أحد على تراثها العربي الإسلامي ولا تراثها الحضاري الأقدم سواء الفرعوني أو البابلي أو الفينيقي مقابل حسمها المواجهة مع الاستعمار والظلم والتحيز مبكراً فحققت فعالية في الأداء والنتيجة نموذجيين بينما انحصرت ذهنية الأكاديمي –يمثلها حسين أمين- في دوامة بين الصراع على هذا التراث العربي –الإسلامي سواء في نزع تاريخيته أو تسميم عناصره وتطرف توجيهها وبين الصراع على الموقف من السياسة والثقافة الغربيين سواء تلطيف الشيطنة أو تجريف ألعابها المنهكة في استهلاك الحياة قصوراً عن الحسم والتجاوز!